انتهز فرصة حلول الشهر الكريم لاتقدم للجميع بخالص التهنئة بقدومة اعادة الله على الأمة الاسلامية بالخير واليمن والبركات
شهر رمضان شهر الدعاء والتقرب الى الله
فللدعاء شروطٌ عديدةٌ لابد من توافرها؛كي يكون الدعاء مستجاباً مقبولاً عند الله
فمن أهم تلك الشروط: أن يكون الداعي عالماً بأن الله وحده هو القادر على إجابة الدعاء، وألا يدعو إلا الله وحده؛ لأن دعاء غير الله شرك، وأن يتوسل إلى الله بأحد أنواع التوسل المشروعة كالتوسل إلى الله باسم من أسمائه، أو صفة من صفاته، أو أن يتوسل بصالح الأعمال، أو بدعاء رجل صالح حيٍّ حاضر قادر.
ومن شروط الدعاء: تجنبُ الاستعجال، والدعاءُ بالخير، وحسنُ الظنِّ بالله، وحضورُ القلب، وإطابةُ المأكل، وتجنُّبُ الاعتداءِ، هذه هي شروط الدعاء على سبيل الإيجاز.
وهناك آداب يحسن توافرها: كي يكون الدعاء كاملاً، ومنها الثناءُ على الله قبل الدعـاء، والصلاة ُعلى النبي صلى الله عليه وسلم والإقرارُ بالذنب، والاعترافُ بالخطيئة، والتضرعُ، والخشوعُ، والرغبةُ، والرهبةُ، والجزمُ في الدعاءِ، والعزمُ في المسألة، والإلحاحُ بالدعاء، والدعاءُ في كل الأحوال، والدعاءُ ثلاثاً، واستقبالُ القبلة، ورفعُ الأيدي، والسواكُ، والوضوءُ، واختيارُ الاسم المناسبِ أو الصفةِ المناسبةِ كأن يقول: يا رحمن ارحمني، برحمتك أستغيث.
ومن آداب الدعاء: خفضُ الصوتِ، وأن يتخير الداعي جوامعَ الدعاء، ومحاسنَ الكلامِ، وأن يتجنب التكلفَ، والسَجْعَ، وأن يبدأ الداعي بنفسه، وأن يدعو لإخوانه المسلمين.
هذه بعض آداب الدعاء على سبيل الإجمال، والأدلة على ذلك مبسوطة في الكتاب والسنة، والمجال لا يتسع للتفصيل؛ فالإتيان بشروط الدعاء وآدابه من أعظم الأسباب الجالبة لإجابة الدعاء.
ومن الأسباب _أيضاً_: الإخلاص لله حالَ الدعاء،وقُوة ُالرجاء،وشدةُ التحرّي، وانتظارُ الفَرَجِ، والتوبةُ، وردُّ المظالمِ، والسلامةُ من الغفلة، وكثرةُ الأعمالِ الصالحةِ، والأمرُ بالمعروفِ، والنهيُ عن المنكر، والتقربُ إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، وبِرُّ الوالدين، واغتنامُ الفُرصِ، وذلك بتحري أوقات الإجابة، واغتنامُ الأحوال، والأوضاع، والأماكن التي هي مظانُّ إجابة الدعاء.
أيها الزملاء الكرام: إن من البلاء على المؤمن أن يدعو فلا يُجاب؛ فيكرَّر الدعاء، ويلحَّ فيه، وتطولَ المدة فلا يرى أثراً للإجابة.
ومن هنا يجد الشيطان فرصته؛ فيبدأ بالوسوسة للمؤمن، وإيقاعه في الاعتراض على حكم الله، وإساءته الظن به _عز وجل_.
فعلى من وقعت له تلك الحال ألا يلتفت إلى ما يلقيه الشيطان؛ ذلك أن تأخر الإجابة مع المبالغة في الدعاء يحمل في طيّاته حِكَماً باهرةً، وأسراراً بديعةً، وفوائدَ جمةً، لو تدبرها الداعي لما دار في خَلَدِه تضجُّر من تأخر الإجابة.
ومن تلك الحِكَم والأسرار والفوائد التي يحسن بالداعي أن يتدبرها، ويجمل به أن يستحضرها ما يلي:
أولاً: أن تأخر الإجابة من البلاء كما أن سرعة الإجابة من البلاء_أيضاً_قـال _عز وجل_: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون).
فالابتلاء بالخير يحتاجُ إلى شكر، والابتلاءُ بالشر يحتاج إلى صبر؛ فإياك أن تستطيل البلاء، وَتَضْجَرَ من كثرة الدعاء؛ فإنك ممتحنٌ بالبلاء متعبَّدٌ بالصبر والدعاء؛ فلا تيأسنّ من رَوْح الله وإن طال البلاء.
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: (أصبحت ومالي سرورٌ إلا في انتظارِ مواقعِ القدرِ، إن تكنِ السراءُ، فعندي الشكرُ، وإن تكن الضراءُ فعندي الصبرُ).
ثانياً: من حكم تأخر إجابة الدعاء: أن يستحضر الإنسان أن الله هو مالك الملك، فله التصرف المطلق، بالعطاء والمنع؛ فلا رادّ لفضله، ولا مُعقّب لحكمه، ولا اعتراض على عطائه ومنعه، إن أعطى فبفضل،وإن منع فبعدل؛ فلا حقّ_إذاً_للمخلوق المربوب على الخالق الرب_عز وجل_.
ثالثاً: أن الله _عز وجل_ له الحكمة البالغة؛ فلا يعطي إلا لحكمة، ولا يمنع إلا لحكمة، وقد يرى الإنسان أن في ذلك الشيء مصلحةً ظاهرةً؛ ولكن الحكمةَ لا تقتضيه، فقد يخفى في الحكمة فيما يفعله الطبيب من أشياء تؤذي في الظاهر ويُقْصَد بها المصلحة، فلعل هذا من ذاك ، بل أعظم؛ فقد يكون تأخرُ الإجابة، أو منعُها هو عينَ المصلحةِ.
رابعاً: قد يكون في تحقق المطلوب زيادةٌ في الشر، فربما تحقق للداعي مطلوبُه، وأجيب له سؤلُه؛ فكان ذلك سبباً في زيادةِ إثمٍ، أو تأخيرٍ عن مرتبةٍ، أو كان ذلك حاملا ً على الأشَر والبَطر، فكان التأخير أو المنع أصلح.
وقد روي عن بعض السلف أنه كان يسأل الغزو؛ فهتف به هاتف: إنك إن غزوت أُسرت، وإن أُسرت تنصّرت.
قال ابن القيم رحمه الله : (فقضاؤه لعبده المؤمن عطاءٌ، وإن كان في صورة المنع، ونِعْمَةٌ وإن كان في صورة محنة، وبلاؤه عافية، وإن كان في صورة بلية.
وَلَكنْ لجهل العبدِ، وظلمِه لا يَعُدُّ العطاءَ والنعمةَ والعافيةَ إلا ما التذّ به في العاجل، وكان ملائماً لطبعه.
ولو رزق من المعرفة حظاً وافراً؛ لعد المنعَ نعمةً والبلاءَ رَحمةً، وتلذذ بالبلاء أكثرَ من لذته بالعافية، وتلذذ بالفقر أكثرَ من لذته بالغنى، وكان في حال الِقلّةِ أعظمَ شكراً من حال الكثرة. )ا_هـ.
وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله: (ولهذا من لطف الله _عز وجل_ لعبده أنه ربما طمحت نفسُه لسبب من الأسباب الدنيوية التي يظُن بها إدراكَ بُغْيتِهِ، فيعلـم أنها تضرّه، وتصدّه عما ينفعه؛ فيحول بينه وبينها، فيظل العبد كارهاً، ولم يَدْرِ أن ربه قد لَطَفَ به؛حيث أبقى له الأمر النافع، وصرف عنه الأمر الضار).
خامساً: الدخول في زمرة المحبوبين لله_عز وجل_فالذين يدعون ربهم، ويُبْتَلَون بتأخر الإجابة عنهم _يدخلون في زمرة المحبوبين المشرَّفين بمحبة الله؛ فهو_عز وجل_ إذا أحبَّ قوماً ابتلاهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن عِظمَ الجزاءِ مع عِظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السَّخطْ) أخرجه الترمذي وابن ماجة، وحسنه الترمذي والألباني.
سادساً: أن اختيارَ اللهِ للعبد خيرٌ من اختيار العبد لنفسه، وهذا سر بديع يحسن بالعبد أن يتفطن له حال دعائه لربه؛ فهذا يريحه من الأفكار المتعبة في أنواع الاختيارات، ويُفْرِغُ قَلْبَهُ من التقديرات، والتدبيرات التي يصعد منها في عَقَبَة، وينـزل في أخرى.
وإذا فوض العبد أمره إلى ربه،ورضي بما يختاره له_أمدّه الله بالقوة، والعزيمة، والصبـر،وصرف عنه الآفات التي هي عرضةُ اختيارِ العبدِ لنفسه، وأراه من حسن العاقبة ما لم يكن ليصلَ إلى بعضه بما يختاره هو لنفسه.
سابعاً: أن المكروه قد يأتي بالمحبوب، والعكس بالعكس؛ بل إن عامةَ مصالحِ النفوس في مكروهاتها، كما أن عامَّةَ مضارِّها وأسباب هلكتها في محبوباتها قال
_عز وجل_: (فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً).
قال سفيان بن عيينة رحمه الله: (ما يكرهُ العبدُ خيرٌ له مما يحب؛ لأن ما يكرهه يُهَيِّجُه للدعاء، وما يحبه يلهيه).
ثامناً: أن تأخر الإجابة سببٌ لِتَفَقُّدِ العبد لنفسه؛ فقد يكون امتناعُ الإجابة أو تأخرها لآفة في الداعي؛ فربما كان في مطعومه شبهةٌ، أو كان في قلبه وقتَ الدعاء غفلةٌ، أو كان متلبساً بذنوب مانعةٍ؛ وبهذا ينبعث إلى المحاسبة، والتوبة، ولو عُجِّلَت له الإجابةُ لفاتته هذه الفائدة.
تاسعاً: قد تكون الدعوةُ مستجابةً دون علم الداعي؛ لأن ثمرة الدعاء مضمونة _بإذن الله_قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يدعو، ليس بإثم ولا بقطيعة رحم؛ إلا أعطاه الله إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها) قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذاً نكثر؟ قال: (الله أكثر) أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني.
إذا تقرر هذا؛ فكيف يستبطئ الداعي الإجابة طالما أن الثمرةَ مضمونةٌ، ولماذا لا يحسنُ العبدُ ظنَّه بربه ويقول: لعله استُجِيب لي، وآتاني ربي إحدى هذه الثلاثِ من حيثُ لا أعلم؟!.
عاشراً: التمتع بطول المناجاة، فكلما تأخرت الإجابة طالت المناجاة، وحصلت اللذة، وزاد القرب، ولو عجلت الإجابة لربما فاتت تلك الثمرة.
قال سفيان الثوري رحمه الله: (لقد أنعم الله على عبد في حاجة أكثرَ من تضرعه إليه فيها).
حاديَ عَشَرَ: تكميلُ مراتب العبودية؛ فالله _عز وجل_ يحب أولياءه، ويريد أن يكمل لهم مراتب العبودية؛ فيبتليهم بأنواع من البلاء، ومنها تأخر إجابة الدعاء؛ كي يترقّوا في مدارج الكمال، ومراتب العبودية.
ومن تلك العبوديات العظيمة التي تحصل من جرّاء تأخر إجابة الدعاء_انتظار الفرج، وقوة ُالرجاء، وحصولُ الاضطرار،والافتقارُ إلى الله، والانكسارُ بين يدي جبار السماوات والأرض، ومجاهدةُ الشيطان ومراغمُته.